تدهور علاقات جنوب أفريقيا والولايات المتحدة- الأسباب والمظاهر والتداعيات

في أواخر شهر يوليو/تموز من عام 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفكيره في عدم حضور قمة قادة مجموعة العشرين المنتظرة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني بجنوب أفريقيا، مع احتمال إرسال ممثل آخر لتمثيل الدولة.
هذا التصريح، بالإضافة إلى العديد من التصريحات الأخرى، يعكس بوضوح تراجع العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة منذ عودة ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية. فقد تصاعدت حدة التوترات الجيوسياسية والاختلافات الأيديولوجية بين البلدين، وتعارضت مواقفهما بشأن القضايا الدولية الراهنة، مما أدى إلى تبني ترامب لنهج عدائي تجاه بريتوريا.
علاقات بريتوريا مع واشنطن
تتسم العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا بتنوعها وتعقيدها، حيث تتخللها فترات من التعاون المثمر والتوتر الملحوظ. فبعد انتهاء نظام الفصل العنصري (الأبارتهايد) في عام 1994، سارعت واشنطن لدعم التحول الديمقراطي في جنوب أفريقيا، واستقبل الرئيس بيل كلينتون الزعيم نيلسون مانديلا في أول زيارة رسمية له، كما تم إطلاق اللجنة الثنائية الأمريكية الجنوب أفريقية في عام 1995.
ومع ازدهار العلاقات الاقتصادية بين البلدين، تم إصدار "قانون النمو والفرص في أفريقيا" (AGOA) في عام 2000، والذي منح العديد من المنتجات الجنوب أفريقية إمكانية الوصول إلى السوق الأمريكية معفاة من الرسوم الجمركية، مما جعل الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لجنوب أفريقيا، قبل أن تزيحها الصين في وقت لاحق لتصبح الشريك التجاري الأكبر حتى اليوم.
تستورد الولايات المتحدة من جنوب أفريقيا مجموعة متنوعة من المنتجات، بما في ذلك السيارات ومكوناتها، والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة مثل اللؤلؤ، ومنتجات الحديد والصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى بعض المنتجات الزراعية مثل الحمضيات والنبيذ.
في عام 2024، شكلت اللؤلؤ والأحجار الكريمة الجزء الأكبر من الواردات، تلتها المركبات ومنتجات الحديد والصلب. كما قدمت الولايات المتحدة مساعدات سخية لجنوب أفريقيا تجاوزت قيمتها 10 مليارات دولار أمريكي منذ عام 2001، وخصص حوالي 86% منها للمبادرات الصحية.
وعلى الرغم من هذه العلاقات المتينة، فإن سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في المشاركة البناءة مع نظام الفصل العنصري، وإدراج اسم نيلسون مانديلا على قائمة مراقبة الإرهاب الأمريكية حتى عام 2008، وغيرها من المظالم التاريخية، أثرت بشكل كبير على السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا بعد انتهاء نظام الفصل العنصري، مما دفعها إلى تبني موقف مستقل وغير منحاز.
وفي حين أن التدهور الحالي في العلاقات بين بريتوريا وواشنطن يعود إلى سنوات ماضية، إلا أنه بلغ أوجه مع عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2025، تبع ذلك إصدار الإدارة الأمريكية أمراً تنفيذياً في 7 فبراير/شباط 2025، اتهمت فيه جنوب أفريقيا بارتكاب أفعال مشينة.
محفزات تدهور العلاقات
تتعدد الأسباب والعوامل التي أدت إلى التدهور الحالي في العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية، وتتمثل في عدة نقاط سياسية وحوادث منذ عام 2023، وهي:
1- نهج ترامب القومي والتعاملي في ظل تعميق بريتوريا علاقاتها مع منافسي واشنطن الجيوسياسيين:
استهدفت سياسة "أمريكا أولاً" والنهج العملي الذي تبناه ترامب في سياسته الخارجية دولة جنوب أفريقيا منذ عودته إلى الرئاسة الأمريكية، وذلك من خلال مبدئه النابع من عدم رضاه عن النظام العالمي القائم ورغبته في استخدام التعريفات الجمركية كأداة لحماية الشركات الأمريكية وتعزيز التصنيع المحلي ومعالجة الاختلالات التجارية.
وقد زاد من حدة تدهور العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة، تعميق بريتوريا لعلاقاتها مع منافسي واشنطن الجيوسياسيين الرئيسيين، وخاصة روسيا والصين وإيران. وكان من أبرز نقاط الخلاف موقف بريتوريا المحايد تجاه الحرب الروسية الأوكرانية، ورفضها إدانة موسكو على الرغم من الضغوط الدولية.
واعتبرت واشنطن مشاركة جنوب أفريقيا في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا والصين في فبراير/شباط 2023 عملاً استفزازياً، خاصة أنها تزامنت مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الروسية الأوكرانية.
وما زاد الطين بلة، هي اتهامات السفير الأمريكي آنذاك في مايو/أيار 2023 بأن جنوب أفريقيا زودت روسيا بالأسلحة، على الرغم من نفي جنوب أفريقيا هذه الادعاءات، وعدم عثور التحقيق على أي دليل يدعمها.
وقد استشهد المسؤولون الأمريكيون باستمرار بالارتباط الاقتصادي والدبلوماسي القوي لجنوب أفريقيا مع الصين، وعلاقاتها المتجددة مع إيران، كدليل قاطع على تحالفها مع الخصوم.
2- موقف جنوب أفريقيا من الإبادة الجماعية في غزة:
ساهمت السياسة الخارجية لجنوب أفريقيا تجاه القضايا الدولية الحساسة في تأجيج التوترات، إذ شكلت قضية بريتوريا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في ديسمبر/كانون الأول 2023 نقطة تحول حاسمة، حيث اتهمت إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة.
وفي خطوة تعكس الدعم الثابت لإسرائيل، سارعت واشنطن إلى رفض القضية، ووصفتها بأنها لا أساس لها وغير مجدية.
3- دور جنوب أفريقيا في مجموعة البريكس
يتعارض إصرار جنوب أفريقيا المستمر على سياستها الخارجية المستقلة وغير المنحازة مع التوقعات الغربية والمصالح الأمريكية.
وتنظر بريتوريا إلى عضويتها في مجموعة البريكس -التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- كآلية لتعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، حيث تتمتع دول الجنوب العالمي بقدرة أكبر على التأثير.
بل وتركز مناقشات حكومة جنوب أفريقيا ومجموعة البريكس على زيادة حجم التجارة باستخدام عملاتها الوطنية لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، وهو ما فسرت الولايات المتحدة على أنه تحدٍ سافر لهيمنتها العالمية.
4- سياسات جنوب أفريقيا المحلية
امتدت محفزات تدهور العلاقات بين بريتوريا وواشنطن لتشمل السياسات المحلية في جنوب أفريقيا، وتحديداً قانون مصادرة الأراضي رقم 13 لعام 2024 الذي يسمح بإعادة توزيع الأراضي دون تعويض في بعض الحالات.
إذ تنتقد إدارة ترامب هذا القانون بشدة، على الرغم من أنه يهدف إلى معالجة أوجه عدم المساواة العرقية التاريخية التي استمرت بعد حقبة الأبارتهايد، حيث يمتلك البيض، الذين يشكلون حوالي 9% من السكان، ما يقرب من 72% من الأراضي الزراعية، في حين أن السود، الذين يمثلون حوالي 75% من السكان، يمتلكون حوالي 4% فقط من الأراضي الزراعية المملوكة بشكل فردي.
وعلى الرغم من وضوح أهداف القانون وأهميته في تحقيق العدالة الاقتصادية والتنموية في جنوب أفريقيا، فقد أصدرت إدارة ترامب أمراً تنفيذياً اتهمت فيه جنوب أفريقيا -بدون أدلة موثوقة- بارتكاب أفعال مشينة تشمل اضطهاد الأقلية البيضاء، وارتكاب إبادة جماعية للبيض، وتطبيق التمييز العنصري من خلال إصلاح الأراضي.
وقد نفت حكومة جنوب أفريقيا هذه الادعاءات بشدة، معتبرة إياها معلومات مضللة. ومع ذلك، أصرت إدارة ترامب على روايتها بالاضطهادات المزعومة، وعرضت اللجوء وإعادة التوطين السريع على "الأفريقان"، في خطوة تبدو مشحونة بالعنصرية وتذكر بالسياسات الأمريكية التي كانت تفضل نظام الفصل العنصري وتنحاز إليه ضد السود.
مظاهر تدهور العلاقات:
تتجلى مظاهر تدهور العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة الأمريكية في أربع نقاط رئيسية، وهي:
1- تعليق المساعدات المالية الأميركية
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من الإجراءات التي تستهدف دولاً مختلفة، بما في ذلك جنوب أفريقيا. وكان من أبرز هذه الإجراءات ما أصدرته إدارة ترامب في 24 يناير/كانون الثاني 2025، من تجميد عالمي لجميع مشاريع المساعدات الممولة من الولايات المتحدة، بما في ذلك تلك المخصصة لجنوب أفريقيا.
وقد أثرت هذه الخطوة بشكل خاص على "خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز"، التي تعد حجر الزاوية في الشراكة الصحية بين واشنطن وبريتوريا، حيث وفرت تمويلاً كبيراً لمبادرات مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز). يذكر أن جنوب أفريقيا تلقت ما يقارب 8 مليارات دولار أمريكي من هذه المبادرة منذ عام 2003.
وقد أدى تجميد التمويل إلى فقدان وظائف في قطاع الصحة بجنوب أفريقيا، ويهدد بتقويض سنوات من التقدم في مجالي الوقاية والعلاج من الإيدز، الأمر الذي دفع حكومة جنوب أفريقيا إلى البدء في جهود الاعتماد على الذات من خلال إعادة تخصيص مواردها الخاصة لسد فجوة تمويل المبادرة الصحية.
2- عرقلة الاتفاقيات التجارية
عمدت إدارة ترامب إلى عرقلة الاتفاقيات التجارية وفرض تدابير اقتصادية عقابية على جنوب أفريقيا. فعلى سبيل المثال، فرضت واشنطن اعتباراً من 7 أغسطس/آب 2025 رسوماً جمركية بنسبة 30% على الواردات من جنوب أفريقيا، وهي أعلى رسوم جمركية تُفرض على السلع من أي دولة أفريقية جنوب الصحراء الكبرى.
ومن المتوقع أن تعرض هذه الرسوم ما بين 30 ألفاً و100 ألف وظيفة في جنوب أفريقيا للخطر، مما سيؤثر بشدة على قطاعات رئيسية مثل صناعات السيارات والزراعة والنسيج، التي تعد الولايات المتحدة سوقاً تصديرية رئيسية لها. وعلى الرغم من الإعلان عن تعليق هذه الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة 90 يوماً لإتاحة الفرصة للمفاوضات، فإن التهديد الشامل بفرضها لا يزال قائماً.
3- تسريع منح الجنسية الأميركية للمزارعين "الأفريكان" البيض
زاد من الضغط الاقتصادي والدبلوماسي على جنوب أفريقيا ما أقدم عليه الرئيس ترامب من نهج انتقائي في سياساته، أبرزه تسريع منح الجنسية الأمريكية للمزارعين "الأفريكان" البيض الذين يدعي اضطهادهم في جنوب أفريقيا.
ففي 7 فبراير/شباط 2025، صدر أمر تنفيذي بعنوان "التصدي للإجراءات الصارخة لجمهورية جنوب أفريقيا"، ووجه وزارة الخارجية لإعطاء الأولوية لإعادة توطين اللاجئين "الأفريكان" بصفتهم ضحايا تمييز عنصري ظالم. وقد أفادت التقارير بأن ما يقرب من 70 ألف جنوب أفريقي "أفريكاني" أبدوا اهتمامهم بهذا البرنامج.
4- العزل الدبلوماسي والتهديد بإنهاء الامتيازات التجارية
سعت إدارة ترامب إلى عزل جنوب أفريقيا من المحافل الدولية وتجاهلها، كما هددت بسحب الامتيازات التجارية.
فعلى سبيل المثال، قاطع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اجتماعات مجموعة العشرين التي استضافتها جنوب أفريقيا في فبراير/شباط 2025، متهماً بريتوريا بمصادرة الممتلكات الخاصة، والترويج لمفاهيم أيديولوجية مثل "التضامن والمساواة والاستدامة". ويتجلى التجاهل الدبلوماسي أيضاً في تغيب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عن اجتماع وزراء مالية مجموعة العشرين.
وهناك توقعات متزايدة بإمكانية إنهاء إدارة ترامب بعض الامتيازات التجارية، وتحديداً "قانون النمو والفرص في أفريقيا"، الذي يمنح العديد من المنتجات الجنوب أفريقية إمكانية الوصول إلى السوق الأميركية دون رسوم جمركية، حيث من المقرر انتهاء صلاحيته في سبتمبر/أيلول 2025، ولا توجد أي مؤشرات على تجديده، وهو ما يعرض وضع جنوب أفريقيا كأكبر مستفيد من هذا القانون للخطر.
ويضاف إلى ما سبق أنه في مارس/آذار 2025، طُرد إبراهيم رسول، سفير جنوب أفريقيا لدى الولايات المتحدة، من قِبل وزير الخارجية روبيو، في إجراء دبلوماسي لاذع، اعتُبر رداً على انتقاداته لإدارة ترامب ودفاعه عن الفلسطينيين.
كما عُلقت المساعدات العسكرية والتعاون مع قوات الدفاع الوطني الجنوب أفريقية في أبريل/نيسان 2025. وكل هذه الإجراءات تجسد مجتمعة سعي واشنطن المتعمد لعزل جنوب أفريقيا على الساحة العالمية.
التداعيات الجيوسياسية المحتملة
إن لتدهور العلاقات بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة تداعيات جيوسياسية واسعة النطاق، قد تؤثر على ديناميكيات القوة العالمية واستقلالية الجنوب العالمي، نظراً إلى أن بريتوريا تعتبر عدم انحيازها في القضايا الدولية أحد مبادئها الأساسية في السياسة الخارجية، وترفض الإملاءات أو التسلط من القوى الأجنبية.
كما أن حكومة جنوب أفريقيا تعتبر موقفها من القضايا الدولية، مثل الحرب على غزة واتهام إسرائيل بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية، نابعاً من التزامها بحقوق الإنسان والقانون الدولي، ومن تاريخها المشترك من الاستعمار والفصل العنصري، وهو موقف مبدئي يدافع عنه "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" ويناضل من أجله.
ومن المفارقات أن التعاملات العدائية التي يمارسها ترامب ضد جنوب أفريقيا بدأت تعزز انحياز بريتوريا إلى منافسي الولايات المتحدة الجيوسياسيين، وتحديداً روسيا التي امتنعت بريتوريا عن التصويت ضدها في قرارات الأمم المتحدة التي تدين غزوها لأوكرانيا، حيث تأثر الموقف الجنوب أفريقي بالعلاقات التاريخية لـ"حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" مع الاتحاد السوفياتي الذي دعم كفاحه ضد الفصل العنصري.
ويتزايد التعاون الاقتصادي والدبلوماسي القوي لجنوب أفريقيا مع الصين، إلى جانب ازدياد تقاربها وتجديد علاقاتها مع دول مثل إيران والبرازيل، حيث تعتبرها بريتوريا عنصراً أساسياً في تنويع سياستها الخارجية.
ومن الملاحظ أيضاً أن الإجراءات العقابية التي اتخذها ترامب تدفع جنوب أفريقيا نحو تحالفات استراتيجية مع دول الجنوب العالمي، بعيداً عن النفوذ الغربي، وذلك لإعادة التوازن نحو شراكات متنوعة لتأكيد دورها في عالم متعدد الأقطاب.
ويسهم اعتماد "حزب المؤتمر الوطني الأفريقي" على إرثه المناهض للاستعمار في تبرير تحركاته الخارجية التي تلقى صدى لدى قاعدته الشعبية، وهو ما يعزز التزام بريتوريا بسياسة التضامن مع الحركات العالمية المناهضة للاستعمار، حتى لو تطلب ذلك صداماً مع القوى الغربية.
وبالرغم من الصدامات والتهديدات الأمريكية، تواصل جنوب أفريقيا تحركاتها داخل مجموعة البريكس، إذ يشكل توسع المجموعة، التي تضم الآن إيران والمملكة العربية السعودية من بين دول أخرى، ومناقشاتها حول "التخلي عن الدولرة" (أي تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في التجارة الدولية)، تحدياً مباشراً للنظام المالي الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.
ويؤكد الموقف الجماعي لدول الجنوب العالمي، الذي غالباً ما تقوده دول مثل جنوب أفريقيا، على ما يُسمى "النفاق" الغربي و"ازدواجية المعايير" في تطبيق القانون الدولي، وخاصة فيما يتعلق بالأزمات مثل تلك الدائرة في أوكرانيا وغزة.
كما أن نهج ترامب في السياسة الخارجية، الذي يتسم بالأحادية والانتقائية، قد يُنفر دول الجنوب العالمي، ويُقدم للصين وروسيا وغيرهما مبرراً بأن الولايات المتحدة قوة مثيرة للمشاكل.
يضاف إلى ما سبق أن طريقة تعامل ترامب مع رئيس جنوب أفريقيا وقادة الدول الخمس (الغابون، وغينيا بيساو، وليبيريا، وموريتانيا، والسنغال) الذين زاروا البيت الأبيض مؤخراً، والضغط على دول أفريقية لقبول المهاجرين المرحلين من الولايات المتحدة مع رفض دول مثل نيجيريا للفكرة، كلها تنذر باستمرار تقلص النفوذ الأمريكي في أفريقيا.
ومن خلال تنفير صوت رئيسي في الجنوب العالمي مثل جنوب أفريقيا، وتعريض القادة الأفارقة للإهانة أثناء زياراتهم الدبلوماسية بهدف إبداء التفوق الأمريكي، بما في ذلك إيقاع الرئيس رامافوزا في كمين أثناء زيارته للبيت الأبيض في مايو/أيار 2025، حيث عرض ترامب تقارير كاذبة تزعم وقوع إبادة جماعية للبيض في جنوب أفريقيا، إضافة إلى مقاطعته حديث الرئيس محمد ولد الغزواني أثناء القمة المصغرة مع الدول الأفريقية الخمس في يوليو/تموز الماضي؛ فإن واشنطن تصور القادة الأفارقة -أمام العالم- كـ"رعايا مخلصين" للاستعمار الحديث، مما يعرض هؤلاء القادة لانتقادات وطنية في بلادهم، ويدفعهم إلى الابتعاد عن واشنطن والتقارب مع غيرها منعاً للإحراج.
ويؤكد على ما سبق، أن تقارير حديثة كشفت عن تنسيق الصين لجهود مشتركة مع كل من جنوب أفريقيا والمملكة العربية السعودية بغية تشكيل جبهة موحدة لمواجهة القيود التجارية الأمريكية.
كما أفادت تقارير أخرى في بداية شهر أغسطس/آب الجاري بأن استهداف سياسة ترامب الخارجية للدول الأفريقية المختلفة قد أجبر هذه الدول على البحث عن شركاء تجاريين جدد، والابتعاد أكثر عن الحساسيات الاقتصادية الأمريكية، وذلك في محاولة للتكيف مع الواقع الجديد المتمثل في الرسوم التصديرية الأمريكية العالية وغير المنطقية.
تجدر الإشارة إلى أن جنوب أفريقيا قد بذلت محاولات جادة للتواصل الدبلوماسي مع واشنطن، إذ بالرغم مما تواجهه هذه الجهود من تحديات جمة بسبب النهج العدائي الذي يتبعه ترامب والرد الاستعلائي من قبل إدارته، بما في ذلك منع مساعد رئيس جنوب أفريقيا من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة بهدف التفاوض مع واشنطن، فإن الرئيس رامافوزا أجرى مكالمات هاتفية معه لمناقشة الرسوم الجمركية ومجموعة متنوعة من القضايا الأخرى.
كما تسعى بريتوريا جاهدة لإبرام صفقة تجارية متينة، تتضمن مقترحات لشراء الغاز الطبيعي المسال الأمريكي وتسهيل قواعد استيراد الدواجن الأمريكية، وغير ذلك مما يشتمل عليه العَرض المعدّل من الصفقة التجارية الذي أعلن عنه وزير التجارة الجنوب أفريقي، وذلك في محاولة حثيثة لخفض معدل الرسوم الجمركية البالغة 30% التي فرضتها واشنطن على الصادرات الجنوب أفريقية إلى الولايات المتحدة.